Monday, February 19, 2007

نحو صحة روحية ونفسية

الفصل الثاني

آفاق التكامل

نحو صحة نفسية وروحية متكاملة

تحديات التكامل

يحاول الخدام المسيحيون الذين يعملون في مجال المساعدة الإنسانية سواء كانوا مشيرين أو رعاة أو معالجين متخصصين أو أطباء نفسيين أن يتجاوبوا مع الاحتياجات الواقعية لمن يساعدونهم. وبمجرد أن يتخلى المساعد عن مجرد محاولة تطبيق النظريات التي يؤمن بها و التقنيات التي تدرب عليها، ويبدأ في التجاوب مع احتياجات البشر الحقيقية، يصبح عليه أن يخوض غمار التحديات الحقيقية للتكامل، ولذلك لكون الإنسان كائن غير بسيط فهو كائن روحي يشتاق ويحتاج للعلاقة بالمطلق وغير المحدود، وهو كائن نفسي له مشاعر جياشة وفكر وخيال وإبداع وهو أيضاً كائن اجتماعي يتأثر بالعلاقات. فهو يتوق لأن يُحِب ويُحَب و يرغب في الانتماء لجماعة كبيرة. و فوق كل ذلك فإن الإنسان المخلوق على صورة الله لكونه الحامل لأمانة النسمه الإلهية فإن لديه إرادة حرة. هذه الإرادة الحرية، إن كانت سليمة، فهي تمكنه أن يتخذ قرارات عكس رغبات الجسد و تيارات المشاعر والأفكار و بالرغم من ثقافة المجتمع المحيط إذا رأى أنها مضرة وهدامة. يقدم مارك ماكمين في كتاب علم النفس واللاهوت والروحانية في المشورة المسيحية خمسة تحديّات أساسية تواجه عملية التكامل الحقيقي.

التحدي الأول: الاحتياج لدمج الروحانية في منظومة التكامل

ربما يكون التوفيق بين علم النفس و علم اللاهوت تحدياً، لكن التحدي الأصعب هو الدائرة الثالثة و هي دائرة الروحانية الشخصية. تاريخياً، اختفت الروحانية الشخصية من منظومة محاولات التكامل التقليدية بين المسيحية وعلم النفس. ما هي الروحانية؟ يقدم دالاس ويلارد في كتابه "روح التدريبات الروحية" هذا التعريف: " تتكون الروحانية أو الحياة الروحية من تلك المجموعة من الأنشطة التي فيها يتفاعل البشر مع الله ـ ومع ذلك النظام الروحي النابع من شخصية وعمل الله" [9] و يعدد ويلارد مجموعة من الأنشطة أهمها الصلاة الشخصية و التأمل والعبادة الجماعية والصوم و أسلوب الحياة البسيط.

من الضروري أيضاً إدراك أن التدريبات الروحية في حد ذاتها لا تحدث التغيير ولكنها طرق لممارسة اللقاء المنظم مع الله، والتفاعل المباشر مع نعمته. نعمة الله هي التي تغيرنا. أما التدريبات الروحية فهي الطرق التي بها نضع أنفسنا في نطاق عمل النعمة الإلهية، لذلك فهي يمكن أن تسمى أيضاً "وسائط النعمة".

بين الروحانية والروحنة.

الفارق الجوهري بين الروحانية و ما يمكن أن نسميه "الروحنة" Spirituality versus spiritualism هو أن الروحنة ببساطة منبعها الذات من خلال الرغبة في اختبار اختبارات خاصة من التعزية والبركة والحضور والفهم والمعنى. أما الروحانية الكتابية فتدور حول العلاقة مع الله والتكريس له سواء حصل الإنسان على اختبار أو لم يحصل، وسواء فهم شيئاً عن العالم أو الكون أو نفسه أو لم يفهم! وسواء أُيجبت صلواته أم لم تستجب. الروحنة أيضاً تميل إلى تجاهل الدور الإنساني في الحياة الروحية، وأيضاً تتجاهل دور العلاقات الإنسانية في عملية النضوج النفسي والروحي. وتميل إلى الثنائية الروحية بحيث ترى أغلب الأشياء من منظور الله والشيطان فقط. بينما الروحانية الحقيقية لا تتجاهل الواقع النفسي والجسدي والاجتماعي جنباً إلى جنب مع الواقع الروحي.

بين الروحانية والإساءة الروحية

تنبع الإساءة الروحية من استخدام الروحانية أو السلطة الروحية بطريقة تسبب أيذاء نفسي وربما روحي للآخرين. لذلك ربما كانت التخوف من هذا الإيذاء الروحي سبباً من النفور التاريخي بين الكنيسة المصلحة والتدريبات الروحية ( يمكن قراءة المزيد عن الإساءة الروحية في كتاب الروحانية والتعافي للكاتب).

التحدي الثاني: الاحتياج لتحقيق التوازن بين ما هو شخصي وما هو مهني

بالنسبة للمساعدة والرعاية النفسية، يصعب التفريق بين ما هو شخصي و ما هو مهني. المساعدة الحقيقية لا تنبع فقط من تقنيات أو مهارات أو معلومات يستخدمها المساعد مع طالب المساعدة. وإنما تنبع من شخصيته و نوعية وجوده وروحانيته. الراعي أو المساعد عموماً ليس مجرد شخص محترف يقدم خدمة أو يمارس مهارة، و إنما يعتبر مستوى نضوه واختياراته الأخلاقية عناصر أساسية في عملية المساعدة. وجدت دراسة قام بها مجموعة من الباحثين بقيادة C.B.Truax[10] أن اثنين من كل ثلاثة معالجين إما غير فعّالين أو مضرين. كما وجدت الدراسة أن المعالجين الفعالين، لم ترجع فعاليتهم إلى معرفتهم أو توجهاتهم النظرية أو إلى مهاراتهم النقنية في العلاج وإنما لكونهم يمتلكون ثلاث صفات شخصية أساسية و هي: الدفء غير الاستحواذي و الفهم الوجداني "المواجدة" و الصدق والأصالة. وهذه الصفات لا تنبع من تدريب المشير أو قراءاته وإنما من حياته الداخلية و اختيارته الروحية اليومية. لذلك فإن طالب المساعدة بشكل فطري، يبحث أولاً عن شخص يحترمه ويمثل القيم التي يؤمن بها ويستطيع أن يستأمنه على مشاعره وأسراره و مشكلاته.

المساعدة عملية مهنية لأنها تتم في وقت محدد ومكان محدد ولها أجر محدد أحياناً، كما أن لها مدة محددة تبدأ فيها وتنتهي بعدها، هي أيضاً علاقة غير متبادلة، فطالب المساعدة يكشف نفسه أكثر من المساعد. على الجانب الآخر، يمكن اعتبار المساعدة علاقة شخصية لأن فيها كل من المساعد وطالب المساعدة يستثمران من وقتهما ومشاعرهما في علاقة المساعدة، كما يستخدم كل منهما كلمات تنبع من رؤيته للعالم وأفكاره الشخصية وطرق حكمه على الأمو و مقاييسه الأخلاقية. أيضاً يمكن أن يصلي الراعي أو المساعد من أجل طالب المساعدة في وقت صلاته الخاص، كما أن كل من المساعد وطالب المساعدة أخوة وأخوات في المسيح وفي الكنيسة.

التحدي الثالث: الاحتياج للتشكيل الروحي كعنصر من عناصر التدر يب على المشورة

في كتابه روح التدريبات الروحية يؤكد دالاس ويلارد على أن التشكيل الروحي هو عملية من التدريب المستمر وليست ممارسة وقتية لقوة الإرادة أو التركيز. على هذا الأساس فإن أسلوب المشير المسيحي يعكس بوضوح مدى التزامه بالتدريبات الروحية في حياته الشخصية من خلال ظهور ذلك في صفاته الشخصية مثل روح الرعاية أو الموضوعية دون تحيز لوجهة النظر الخاصة، والقدرة على التعاطف الوجداني، والحكمة والبصيرة الروحية. للأسف الشديد بالرغم من أن أغلب الأبجاث تشير إلى أن نجاح المشير يرجع إلى طبيعة شخصيته أكثر من مهاراته، إلا أن كل برامج التدريب على المشورة سواء كانت رعوية أم تخصصية، تغفل جانب التشكيل الروحي!

التحدي الرابع: الاحتياج لاستيعاب الخلفيات الفكرية للمدارس النفسية

خلف كل نظرية للعلاج النفسي توجد مفاهيم فلسفية ورؤية متكاملة للعالم. لذلك لا يمكن التعامل مع هذه المدارس فقط من المنظور العلمي أو التقني فقط مع تجاهل الخلفية الفلسفية التي تشكل هذه الفروض النظرية و التقنيات العلاجية. و إذا لم ندرك هذه الخلفيات الفلسفية، فإننا ربما نقبل مدارس لا نتفق معها فكرياً و بالتالي نعيش تناقضاً يؤدي إلى عدم وصولنا للنضوج النفسي والروحي المتكامل الذي ننشده لأنفسنا و لمن نساعدهم. لهذا سوف نتناول في فصول قادمة أغلب المدارس الرئيسية للعلاج النفسي مع شرح فرضياتها الفلسفية ورؤيتها للعالم و للإنسان، وللصحة النفسية والمرض بالإضافة إلى نقد مسيحي لكل من هذه النظريات.

التحدي الخامس: الاحتياج لتأسيس الثقافة العلمية في مجال المشورة المسيحية

على الجانب الآخر، يمكننا بسبب الرغبة في تجنب علم النفس العلماني نرفض كل صور علم النفس بل وربما نرفض العلم عموماً ولا نشعر بالحاجة إلى التوثيق العلمي الموضوعي لما نضعه من فرضيات. هذا من شأنه أن يفقدنا اللغة العلمية و يعزلنا عن المجتمع العلمي فلا نستطيع أن نتحاور معه أو نؤثرفيه.

التحدي السادس الاحتياج إلى وضع مقاييس أخلاقية واضحة لممارسة المشورة المسيحية

السؤال الذي يجب أن نسأله لأتفسنا هو: " هل يحصل الأشخاص الذين يأتون لطلب المساعدة من مشير مسيحي على معلومات دقيقة عن أسلوب المشورة الذي سوف يمارسه معهم، وهل تُقدم لهم خيارات مختلفة يختارون منها، وهل يوقعون على إقرار مكتوب بقبولهم هذه الخطة العلاجية؟ ربما يكون التوقيع على إقرار، شأنه شأن كل ألوان التواصل بالكتابة، أمراً صعباً في ثقافتنا العربية الشفاهية، لكن أليس من حق من يطلب المساعدة أن يعرف كيف سوف تتم مساعدته وهل يوافق على ما سوف يتم أم لا؟ عندما قام باحث اسمه ورثنجتون بمراجعة الأبحاث التي تم إجراءها على المشورة الدينية، وجد أن العملاء الذين يذهبون لمثل هذا النوع م المشورة لديهم ثلاثة أنواع من الافتراضات المسبقة.[11] أولاً:يفترض طالبوا المشورة المسيحية أن أي مشورة يقدمها شخص مسيحي هي مشورة مسيحية. وهذا بالطبع غير سليم تماماً فالكثير من المشيرين المسيحيين ربما يطبقون نظريات وتقنيات لا تتفق مع اللاهوت المسيحي. صحيح أن العلاقة العلاجية كثيراً ما تكون أهم من التقنيات العلاجية ولكن من الضروري أخلاقياً أن يقبل العميل التقنيات العلاجية التي سوف تستخدم معه. ثانياً: بعض الناس يؤمنون أن المشورة المسيحية هي فقط تطبيق تقنيات الإرشاد الروحي مثل التشجيع على الصلاة وتقديم المنظور الكتابي للمواقف الإنسانية والعلاقاتية المختلفة، لكن الحقيقة غير ذلك فأغلب المشيرين المسيحيين المتخصصين يمارسون تقنيات نفسية مختلفة مثل العلاج المعرفي أو الديناميكي بأسلوب مسيحي. بالمناسبة، دلت بعض الأبحاث أن المشيرين الذي يمارسون فقط التقنيات الروحية، بالرغم من أن البعض يتهمهم أنهم "دينيون أكثر من اللازم"، إلا أن نتائجهم تماثل نتائج المشيرين المسيحيين الذين يستخدمون تقنيات علاجية مثل العلاج المعرفي المسيحي وأن هذا النتائج الإيجابية قد تم الحفاظ عليها على مدار سنتين من المتابعة[12] (هذا أيضاً يؤكد على أن العلاقة العلاجية أكثر أهمية من التقنيات العلاجية). ثالثاً: يفترض البعض أن المشورة المسيحية ما هي إلا مشورة علمانية مضافاً إليها بعض "الشحنات" الروحية. صحيح أن إحدى الدراسات وجدت أن العلاج المعرفي عندما تضاف إليه صور ذهنية دينية أو يدعم بأفكار دينية أو آيات كتابية فهو يصبح أكثر فعالية من العلاج المعرفي المعتاد في علاج الاكتئاب[13]، إلا أن مجرد "مسحنة" العلاج النفسي دون تكامل عميق يدرك الخلفيات الفلسفية لكل مدرسة نفسية، ربما يجعل بعض المشيرين يقبلون الجمع بين متضادات ربما دون أن يدروا، ويظنون أن أي تقنية علاجية يمكن "مسحنتها" وجعلها مقبولة بإضافة بعض الآيات والعناصر الروحية عليها بالرغم من أنها قد تكون مبنية على رؤية غير مسيحية للعالم. يحضرني في هذا الصدد أن أحد المشيرين المسيحيين اقترح على شخص يصارع مع الجنسية المثلية (أي الميل الجنسي لنفس الجنس) أن يلجأ إلى مشاهدة صور جنسية غيرية (أي لرجال مع نساء) ويمارس العادة السرية كنوع من العلاج السلوكي لإعادة برمجة ذهنه لتصحيح توجهه الجنسي. صحيح أن هذا العلاج السلوكي ربما يحقق بعض النجاح سلوكياً، لكن هل هذا النجاح يمكن القبول به في إطار الرغبة المتكاملة في الوصول إلى النضوج الروحي والنفسي للعميل؟!

يقدم مارك ماكمين ما يسميه "خريطة الطريق" للمشورة المسيحية الهادفة للنضوج الروحي والنفسي وهي تمتاز بأنها خريطة بسيطة وعملية بعيدة عن التعقيد النظري وقابلة للتأقلم مع كل مدارس المشورة والعلاج النفسي، كما أنها تشكل نظرة روحية ونفسية متكاملة.

نقطة البداية في هذه الخريطة هي الوعي السليم بالنفس، ثم يتبع هذا الوعي إدراك للإنكسار والاحتياج، ثم طلب العلاقة الشافية مع الله والآخرين. فيما يلي سأحاول أن أسترشد بهذه الخريطة لكي أقدم نموذجاً أرجو أن يكون فعالاً كمنظومة متكاملة من النضوج الروحي والنفسي مبنية على قواعد سليمة كتابياً ونفسياً، بحسبما أرى الآن.

أولاً: الوعي السليم بالنفس

من يحصلون على فهم لأنفسهم يتزايد في الدقة والامانة ولديهم أيضاً قبول متزايد لما يفهمونه ويكتشفونه في أنفسهم، يتمتعون بقدر متزايد من الصحة النفسية والروحية. لا يعني هذا ببساطة أن كل ما علينا أن نفعله هو أن "نحب انفسنا أكثر" وينتهي الأمر. هذه توجه تبسيطي. في أحيان كثيرة تكمن المشكلة في إننا إما نحب أنفسنا أقل من اللازم أو نحب أنفسنا أكثر من اللازم. العنصران الذان يفتقر إليهما أغلبنا، هما عنصري الفهم والقبول. الفهم لا يعني معرفة كل شيء فلا أحد يعرف كل شيء عن نفسه، ولكن المقصود هو الحصول على وعي متزايد بما يحدث في النفس من صراعات وما يجوب سماء الذهن من أفكار تلقائية و ما تجيش في النفس من مشاعر. هذا الوعي المتزايد يتيح الفرصة للتعبير، والتعبير بدوره يعمق الوعي و يجسده.

أيضاً القبول لا يعني الموافقة التامة على كل ما نجده في أنفسنا. أو عدم الرغبة في التغيير والنمو. القبول يعني ببساطة الاعتراف بالواقع والتعامل معه بنضج و بقدر متناقص من الدفاعية (أقول قدر متناقص من الدفاعية ولا أقول بلا دفاعية تماماً فوحده الله القادر أن يرى الحقيقة بلا قلق أو دفاع). على سبيل المثال لكي يتعايش مريض السكر مع مرضه و يقي نفسه من مضاعفاته، عليه أن يقبل حقيقة إصابته بهذا المرض، ولا ينكره. فعندما يقبل مريض السكر حقيقة المرض، سوف يطيع الطبيب ويلتزم بالنظام الغذائي السليم ويتناول جرعات الإنسولين بانتظام. هذا بالبطع لا يعني الموافقة على مرض السكر أو الوقوع في غرامه ! بحيث إذا تم اكتشاف شفاء تام من مرض السكر فإن المريض سوف يرفضه!

الفهم والقبول خطوتان تفتحان الباب إلى التعامل مع النفس بشكل سليم وعدم الإنشغال الزائد بالنفس. يصف ابراهام ماسلو رائد المدرسة الإنسانية في علم النفس أن النضوج النفسي في حياة الإنسان هو أن يصل إلى حالة من العلاقة بالنفس يسميها " تحقيق الذات " و كانت نتيجة دراسته لمجموعة من الأشخاص لمدة عشرين سنة، أنه قدم الأوصاف التالية للشخص المحقق لذاته Self-actualizer مع إدراكه بالطبع أن عملية تحقيق الذات هذه عملية مستمرة تستغرق الحياة كلها وليست مهمة يقوم الإنسان "بإنجازها" والانتهاء منها في وقت ما.

1) الواقعية

أي القدرة على استقبال الواقع والتعايش الفعال معه. هي ألا يشعر الإنسان أنه دائماً مهدد وخائف من المجهول ولا يريد مواجهته. من مظاهر الصحة والنمو النفسي البحث الدائم عن الحقيقة وفي نفس الوقت قبول الواقع بشأنها وهو عدم اكتمالها واستحالة الحصول على كل الإجابات عن كل الأشياء. يقول بولس الرسول في رسالة كورنثوس: " لما كنت طفلاً كطفل كنت أتكلم وكطفل كنت أفطن وكطفل كنت أفتكر ولكن لما صرت رجلاً أبطلت ما للطفل. فإننا ننظر الآن في مرآة في لغز لكن حينئذ وجهاً لوجه. الآن أعرف بعض المعرفة لكن حينئذ سأعرف كما عرفت " (1كورنثوس 13: 11) يربط بولس الرسول بين النضوج و القدرة على احتمال الغموض وعدم اكتمال المعرفة .

2) القبول

ويشتمل هذا على قبول النفس كما هي بدون شعور معوق بالذنب، و قبول الآخرين كما هم، وعدم الإنشغال الزائد بالرغبة في تغييرهم، وأيضاً قبول الطبيعة الإنسانية والظروف الطبيعية في الكون كما هي. يقول بولس الرسول أيضاً في رسالة رومية." ومن هو ضعيف في الإيمان فاقبلوه لا لمحاكمة الأفكار." (رومية 14: 1) الإنسان يستطيع بنعمة الله أن يتغير ويجدد ذهنه ويصحح أفكاره ولكن ليس من خلال الإدانة والمحاكمة وإنما من خلال القبول بالواقع كخطوة أولى لتغييره.

3) التلقائية والبساطة والطبيعية

التلقائية هي أن يتصرف الإنسان على طبيعته دون تصنع وتكلف. و تتضمن أيضاً القدرة على الاستمتاع دون كثير من الندم والإحساس بالرغبة في الاعتذار دائماً. بكلمات أخرى وبحسب نظرية إريك بيرن للتحليل التفاعلاتي transactional analysis أن يدع الإنسان الطفل الذي بداخله يعبر عن نفسه وبالذات الصفات الإيجابية في الطفولة مثل التلقائية والبساطة دون الصفات السلبية مثل العناد والأنانية وعدم الصبر. يقول السيد المسيح في الإنجيل أن من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد لن يدخله. (لوقا 18: 17).

4) عدم الانحصار في النفس

عدم الانحصار في النفس له أكثر من جانب. أولاً الموضوعية أي التركيز على الموضوعات و المشكلات وعلى الآخرين بدلاً من التركيز على الذات. ثانياً لإحساس بهدف للحياة خارج النفس و ثالثاً الإحساس بالواجب بهدوء ودون قلق مبالغ فيه. وهذا ما يقوله المسيح أيضاً فهو يقبل أن يحاول الإنسان أن يجد نفسه ،أو "يحقق نفسه" بلغة ماسلو، ولكن الطريق الذي يقدمه الإنجيل لتحقيق الذات الإنسانية الأصيلة التي خلقنا الله لكي نعيشها، هو من خلال الخروج خارج النفس، فمن وجد حياته يضيعها ومن أضاع حياته من أجل المسيح والملكوت والإنجيل، أي من أجل هدف أسمى و أكبر فهذا يجدها (متى 10 39).

هذا الموضوع من النقاط الهامة في الصراع بين علم النفس والدين. فالدين يتهم علم النفس بأنه يدعو للإنحصار في النفس، وعلم النفس يتهم الدين أنه يدعو لكراهية النفس. الواقع أن هذه الاتهامات صحيحة وغير صحيحة في نفس الوقت. صحيحة لأن بعض الممارسات النفسية تؤدي أحياناً إلى الانحصار في النفس، و أيضاً بعض الممارسات الدينية غير الكتابية أحياناً وعن غير قصد إلى كراهية النفس. العهد الجديد بالطبع لا يدعو لكراهية النفس ولكنه يقول أن الحب الحقيقي للنفس يكون بالخروج خارجها، و بصلب الجسد أي بصلب الطبيعة الأنانية المنحصرة في النفس لأن هذه الطبيعة لا تحافظ على النفس وإنما تميتها روحياً ونفسياً. أي أن الإنجيل يدعونا لقتل الموت الذي بداخلنا فنحيا ! وها هو ماسلو رائد المدرسة الإنسانية المتهمة دائماً بدعوة الإنسان إلى الانحصار في نفسه، يقول أن تحقيق الذات يتم بالخروج خارج النفس. هل معنى هذا أن العهد الجديد والمدرسة الإنسانية متفقان تماماً؟ بالطبع لا. فالعهد الجديد عندما يرسم خريطة الخروج خارج النفس، يرسم في منتصفها صليباً ويوجهها نحو الله والعالم الروحي. أما المدرسة الإنسانية فترسم في منتصفها إنساناً و توجهها نحو الإنسانية كلها والكون المخلوق باعتبار أنه لا يوجد شيء آخر وراءه.

المشترك بينهما هو أنهما يؤكدان أن نضوج وصحة الإنسان تكمنان في أن يخرج خارج نفسه إلى ما هو أسمى وأكبر منه. والمختلف بينهما هو في تعريف الأسمى، فالمسيحية ترى أن الأسمى ليس من هذا العالم بينما تراه المدرسة الإنسانية في هذا العالم. المسيحية ترى أن الإنسان ساقط بداخله ناموس موت يمكن أن يقضي عليه، وفي نفس الوقت هو مدعو للحياة في العالم الروحي كخليقة جديدة، و من خلال الإيمان بالمسيح المصلوب و بمعونة الروح القدس، يميت كيان الموت الكائن بداخله ليحيا ليس فقط على مستوى الإنسان غير الساقط، بل على مستوى الإنسان الجديد الممجد.[14] أما المدرسة الإنسانية فترى أن الإنسان لم يسقط و لا يوجد كيان موت داخله وإنما كل ما فيه من شر هو بسبب أنه لم يتكشف نفسه بعد وعندما يكتشف نفسه ويحققها فإنه يتحرر من كل شروره وآثامه.

5) القدرة على عمل علاقات صحية بالآخرين

من علامات تحقيق الذات، القدرة على التوحد بالآخرين والدخول إلى داخلهم وجدانياً و رؤية الدنيا من منظورهم، وعدم الاكتفاء برؤية الدنيا من المنظور الذاتي فقط. هذا يجد ذروته في العهد الجديد في موعظة المسيح على الجبل التي فيها يتحدى البشر أن يحبوا أعدائهم ويباركوا لاعنيهم ويصلوا لأجل الذين يسيئون إليهم ! (متى 5: 44).

6) الاحتياج للخصوصية والقدرة على الانفصال

من تحرك للأمام في اتجاه تحقيق الذات بحسب نظرية ماسلو، يشعر بفرديته وبقيمته بدون الجماعة أي أنه لا يحتاج دائماً أن يكون وسط الجماعة لكي يشعر بقيمته، وفي نفس الوقت يشعر بالاحتياج للآخرين. يسوع، الإنسان الكامل أو بلغة ماسلو، الإنسان الوحيد المحقق لذاته بحسب إيماننا، كان يعبر عن احتياجه للآخرين وكان يعاتب تلاميذه أنهم لم يستطيعوا أن يمكثوا معه ولو ساعة واحدة (مرقس 14: 37)، لكنه كان قادراً على الانفصال حيث قال: "هوذا تأتي ساعة وقد أتت الآن تتفرقون فيها كل واحد إلى خاصته وتتركونني وحدي ‎. وأنا لست وحدي لأن الآب معي. (يوحنا 16: 32). وبولس، الذي يعتبره المسيحيون التلميذ المثالي للمسيح كتب يقول كيف أن روحه لم تكن مستريحة بسبب أنه لم يجد تيطس (2كو 2: 13) وكيف أن الرب قد عزاه بمجيء تيطس (2كو 7: 6) في نفس الوقت يكتب لتلميذه تيمثاوس قائلاً: " أنت تعلم أن جميع الذين في أسيا ارتدوا عني في احتجاجي الأول لم يحضر أحد معي بل الجميع تركوني. لا يحسب عليهم ولكن الرب وقف معي وقواني ..(2تي 4: 17) ويقول لأهل كورنثوس : " واما انا فبكل سرور انفق وانفق لاجل انفسكم وان كنت كلما احبكم اكثر. أحب أقل. فليكن.." (2كو 12: 15).

7) الاستقلالية

يتمتع من يحقق نفسه بالإحساس بالاستقلالية عن الثقافة والتقاليد المحيطة، وعدم الاحتياج للحصول على موافقة الآخرين بشكل قهري. هذا كان واضحاً جداً في حياة يسوع الذي قاوم بكل قوة آراء الناس فيه ورغبتهم في أن ينصبوه ملكاً ومحاولاتهم أن يتملقوه ليطعمهم أو يصنع لهم الآيات. صنع الآيات، ولكنه أيضاً قال أن الجيل الذي يطلب آية لكي يؤمن هو جيل شرير و فاسق (متى 16: 4). أطعم الجموع في مرات عندما كانوا محتاجين ومضطرين، لكن عندما أرادوا أن يستخدموه ليطعمهم مجاناً رفض و تحداهم ألا يعملوا من أجل الطعام البائد (يوحنا 6: 27). أيضاً بولس قال بشجاعة: " إن كنت بعد أرضي الناس، لست عبداً للمسيح." وتحدى مراءاة بطرس وبرنابا (رسالة غلاطية 2: 13)

بالنسبة للاستقلالية عن الثقافة والتقاليد سواء اجتماعية أو دينية فالكتاب المقدس يتبنى موقفاً متزناً حيث يقول بولس

-لا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب وفي نفس الوقت يقول - معتنين بأمور حسنة قدام جميع الناس

- لماذا يحكم في حريتي من ضمير آخر - كما أنا أيضاً أرضي الجميع في كل شئ

غير طالب ما يوافق نفسي.

8) القدرة على اختبار خبرات روحية عميقة

يصف إبراهام ماسلو ما أسماه بالخبرة العميقة بالكلمات التالية :

"هي الإحساس بأن الآفاق تنفتح أمام رؤيتك ، وهي الإحساس بالقوة والضعف في نفس الوقت بأنك صرت أقدر وأعجز في آن واحد، إنها الإحساس بالنشوة والعجب والرهبة، إنهاالإحساس بفقدان الوقت والمكان والاعتقاد العميق بأن شيئاً ما شديد الأهمية والقيمة يحدث لك حتى أنك تتغير وتنال قوة في الأيام القادمة حتى في الحياة اليومية العادية بسبب هذه الخبرة "

وجد ماسلو أن الأشخاص الذين قد اختبروا مثل هذه الخبرات يصيرون أكثر تكاملاً ونضوجاً وأكثر توحداً بالعالم وأكثر سيطرة على حياتهم الخاصة وأكثر تلقائية، و أكثر قدرة على استقبال الواقع على حقيقته و العمل والإنجاز وكذا اللعب والاستمتاع، و أقل تقيداً بالزمان و المكان. ويعطي ماسلو أمثلة لمثل هذه الخبرات كلحظات الإبداع العميق أو السعادة الغامرة عند اختبار جمال باهر في الطبيعة أو الاستماع للموسيقى أو بقراءة كتاب أو لوحة فنية أو خلافه. صحيح أن مثل هذه الأمور يمكن أن تكون خبرات وجودية وروحية عميقة نرى فيها الله بصورة ما. ولكن من الواضح أن ماسلو كان يطلب الكثير من هذه الأشياء، فلا توجد خبرة في الحياة أكثر تحقيقاً لهذه الأهداف من الخبرات الروحية المسيحية كاختبار التجديد أو الملء بالروح القدس ومن نال مثل هذه الاختبارات ببساطة دون أن يفلسفها ويمنطقها يحصل على هذه النتائج التي يتكلم ماسلو عنها. ويمكن أن نضيف لذلك أن النضوج النفسي والروحي، هو أن نستطيع أن نحتمل الغموض والجهل والملل بقدرا ما نستمتع بالمعرفة والخبرة والبصيرة والإثارة.

يضيف ماسلو صفات أخرى كثيرة للإنسان المحقق لذاته منها القابلية للتعلم حتى ممن هو أقل وأصغر، وأيضاً القدرة على اختبار اللحظة الحاضرة والتمييز بين الغاية والوسيلة والخير والشر وروح الفكاهة الفلسفية غير المسيئة والقدرة على الإبداع والتجديد

بالطبع بعدما عرضنا صوراً مختلفة مسيحية وإنسانية للوعي السليم بالنفس، يكون من السهل أن نكتشف صوراً خاطئة للوعي بالنفس ومنها الاستغراق في النفس. الذي ربما يكون محاولة طفلية لإشباع الجوع للحب المفقود في الأسرة. و كثيراً ما يُصاحَب ذلك بممارسات أخرى مثل الإغراق في مشاعر الشفقة على النفس أو أحلام اليقظة أو ربما التلذذ الجنسي الذاتي من خلال العادة السرية الذي يؤدي فيما بعد إلى إدمان الصور الإباحية وخلافه. قد يؤدي الاستغراق في النفس بهذه الصورة إلى الشعور الشديد بالذنب ويمكن للشعور الشديد بالذنب بالإضافة أيضاً إلى الرسائل السلبية التي يحصل عليها الطفل من المحيطين به نتيجة فشله في بعض الأمور، إلى كراهية النفس. و في النهاية غالباً ما تؤدي كل هذه الصور المشوهة للوعي بالنفس إلى عدم القدرة على ضبط النفس في نواحي محددة مثل الأكل أو الجنس أو الغضب أو غير ذلك، وهذا بدوره يزيد من الانحصار في النفس وكراهيتها وهكذا يتم تأسيس دائرة مفرغة من الاضطراب النفسي والروحي.

ثانياً: الوعي السليم بالاحتياجات

في كتابه الاحتفال بالتدريبات الروحية[15] يكتب ريتشارد فوستر: " كلما اقتربنا أكثر من نبضات قلب الله، كلما رأينا احتياجاتنا، وكلما رغبنا أن نتغير إلى صورة المسيح." لكننا كلما نبتعد عن الله، كلما نبتعد عن فطرتنا التي خلقنا الله عليها. يظهر هذا التشوه في وعينا باحتياجاتنا في صورة إنكار الاحتياجات وعدم القدرة على التعبير عنها. فنحن عندما كنا أطفال كنا نشعر باحتياجاتنتا النفسية ونعبر عنها ببساطة وسهولة، لكننا عندما كبرنا، وخصوصاً إن كنا كبرنا في بيئة لا تعترف بمثل هذه الاحتياجات، فإننا تعلمنا ألا نعبر عن هذه الاحتياجات بل نبتلعها داخلنا. و أقنعنا أنفسنا بأننا لا نحتاج لمثل هذه الأمور، بل وأكثر من ذلك ربما نكون قد أقنعنا أنفسنا أن هذه الاحتياجات رفاهية وترف لكي لا نتورع ونطالب بها. بعضنا، إمعاناً في إنكار هذه الاحتياجات، راح يهاجم من يطالبون بها أو يهتمون بها متهماً إياهم بالأنانية والانحصار في النفس. تكمن الخطورة في أن ذلك الجدار الذي بنيناه و أخفينا داخله احتياجاتنا، ربما ينهار فجأة دون أن نكون مستعدين لذلك، فتخرج هذه الاحتياجات وتعبر عن نفسها بفجاجة و بطرق خاطئة. الصورة الأخرى لتشوه الوعي السليم بالاحتياج تظهر في المبالغة والإفراط في تقدير الاحتياجات وعدم القدرة على ترشيد تسديدها أو التحكم في الطريقة التي بها نسدد هذه الاحتياجات. الأطفال يعبرون عن احتياجاتهم بسهولة لكن الأمر الصعب بالنسبة لهم هو التحكم في هذه الاحتياجات والأصعب هو تقدير احتياجات الآخرين. بعضنا كبر أكثر من اللازم وخنق "الطفل" الذي بداخله فأصبح لا يعترف باحتياجاته، والبعض الآخر ظل يتعامل مع احتياجاته كطفل غير ناضج لا يدرك أو يميز الطريقة الصحية التي يسدد بها احتياجاته دون أن يتسبب لنفسه أو لغيره في ضرر على المدى البعيد.

ثالثاً: الفهم السليم للعلاقات الصحية الشافية

في كثير من أساليب العلاج النفسي، تعتبر العلاقة العلاجية نموذجاً أولياً صحياً للعلاقات عموماً. كثير من طالبي المشورة لم يصادفوا من قبل علاقة حميمة أمنة بها قدر مناسب من الثقة والاحترام والحدود الصحّية و القدرة على الاشتراك في الوجدان والفهم العميق. وبسبب ذلك الفقر في العلاقات الصحية، تكونت لديهم مفاهيم مغلوطة عن الحب والرعاية والاهتمام. من الطبيعي أن مثل هذه المفاهيم المغلوطة تظهر في العلاقة العلاجية. على سبيل المثال، قد يرغب طالب المشورة في أن يكون محور اهتمام المشير فلا يهتم بأحد غيره، أو أن يكون المشير متاحاً له في كل وقت، أو أن يقدم له دائماً النصح والتوجيه في كل شيء ولا يدعه يحتار ويصل للقرارات بنفسه. يجب على المشير أن يتفهم وجود مثل هذه الرغبات، و يحاول تغييرها بصبر ومن خلال تقديم نموذج مغاير أكثر صحة.

كما أنه من الطبيعي أن يُسقِط طاب المشورة على المشير احتياجه الطفلي للأب أو الأم أو رغبته السحرية في أن يجد شخصاً كاملاً مختلفاً عن الأشخاص "السيئين" الذين يتعامل معهم في حياته اليومية. إذا تجاوب المشير مع هذه الرغبة ووافق أن يجعل نفسه ذلك الشخص الكامل الصالح في مقابل الآخرين الأشرار مثل الأب أو الأم أو المدير في العمل أو أحد الأصدقاء. فهذا يقدم نموذجاً مريضاً للعلاقات ورؤية غير ناضجة للبشر. ولا يساعده أن يحاول أن يتفهم دواقع واحتياجات الآخرين ويدرب نفسه على فهمهم وقبولهم ومحاولة احترامهم واحتمالهم. في واقع الأمر، المشير الذي يستسلم لهذه الرغبات لدى طالب المشورة، غالباً ما يكون لديه، هو نفسه، احتياج عاطفي غير مسدد أو رغبة اعتمادية في أن يكون الشخص الكامل أو المنقذ الذي يحمي البشر الضعاف من شر الأشرار الآخرين!

ختاماً ربما يمكننا أن نقدم بعض التعريفات عن العلاقة العلاجية السليمة على غرار الرسوم الكاريكاتورية التي كان يقدمها مصطفى حسين لسنوات طويلة في جريدة الأخبار تحت عنوان "الحب هو:" فنقول العلاقة العلاجية هي:

- العلاقة التي تساعد طالب المشورة أن يرى نفسه والآخرين رؤية واقعية بدون تضخيم للعيوب أو تجاهلها وذلك من خلال علاقة مع مشير أو معالج يرى عيوبه ويحتمل نفسه بهذه العيوب ويحاول أن يتغير.

- العلاقة التي تساعد طالب المشورة أن تكون له علاقة أفضل بنفسه، فيؤمن بقوتها وضعفها ويثق في قدرته على اتخاذ القرارات والالتزام بها.

- العلاقة التي تجعل طالب المشورة يستطيع أن يثق بنفسه و يشك فيها في نفس الوقت، ويتوقع أن تتصحح أفكاره وتتغير كلما زادت درجة وعيه بحقيقة ما يدور بداخله من صراعات وكلما زادت قدرته على مراجعة أفكاره وتصحيحها.

- العلاقة التي تجعله/ تجعلها تصنع اتزاناً بين احتياجها للآخرين وقدرتها أن تعتمد على نفسها. أي أن تصنع علاقات اعتماد متبادل Interdependencyدون اعتمادية متواطئة Co-dependency أو استقلالية تجنبيةAvoidant Counter-dependency

- العلاقة التي تساعدها/ تساعده أن يبني علاقات بالآخرين، بها رؤية واضحة للعيوب والمزايا دون تأليه أو تحقير، وبها قدر صحّي من الثقة والاحترام والقدرة على الفهم والتعبير عن المشاعر والتحكم في الغضب و الخوف والانجذاب وغيرها من المشاعر.

- العلاقة التي تساعده/ تساعدها أن تصنع علاقات بها إحساس بالآخرين و القدرة على الدخول في عالمهم ورؤية العالم من منظورهم.

- العلاقة التي تساعده/ تساعدها على احتمال أخطاء الآخرين و إعطائهم فرص جديدة و تقديم الغفران لهم عندما يخطئون.

- العلاقة التي تتحدى طالب المشورة أن يسدد احتياجاته الروحية من خلال علاقة أبوية متزنة مع الله، دون روحنة تغييبية أو عقلنة متشككة .

- العلاقة التي تعلمه/ تعلمها من خلال النموذج والقدوة أن الحياة الروحية ليست فقط حياة تسديد الاحتياجات الروحية للحنان والتعزية وإنما هي حياة التدريب والتغيير لاختبار أبعاد أعمق من نعمة العلاقة مع الله و دعوته للإنسان أن يعيش الخليقة الجديدة.

المتابعة

من الضروري جدا أن يكون المشير قادراً على المتابعة المستمرة للعلاقة المشورية ــــ متابعة تحقيق الأهداف المشورية. لمتابعة الأهداف ينبغي تحديدها من البداية. من أمثلة الأهداف التي يمكن وضعها في البداية، تصحيح أخطاء التفكير و مقاومة الأفكار السلبية التلقائية، أو تحسين علاقة، أو توقف عن سلوك قهري أو التحكم في طريقة التعبير عن الغضب. بالإضافة لمتابعة تحقيق الأهداف من الضروري أيضاً متاعبة تقدم المشير على كافة الأصعدة الروحية والنفسية والاجتماعية، أيضاً متابعة المشير نفسه لنفسه ومن خلال علاقة إشرافية مع مشيرين آخرين.

أخيراً، يقدم ماكمن هذا الرسم لتوضيح تصوره لمنظومة تستهدف الصحة الروحية والنفسية المتكاملة للفرد والجماعة المسيحية. في الأساس يضع ثلاث أحجار وهي الفهم اللاهوتي والفهم النفسي والروحانية. و هو يضعهم على قدم المساواة. في واقع الأمر إنني أميل شخصياً لوضع المفاهيم اللاهوتية في المنتصف مع التركيز عليها كمحور للمنظومة كلها لأن الفهم اللاهوتي السليم هو الذي من شأنه أن يحمي الروحانية من أن تتحول إلى منظومة من الأفعال الخارجية التي نفعلها لنرضي أنفسنا أو الآخرين أو تتحول إلى روحنة أو إلى إساءات روحية. الفهم اللاهوتي للخلاص بالنعمة يحمي الروحانية من أن تتحول إلى ممارسات مضرة للنمو الروحي المتكامل. حيث من الممكن أن نظن أن ناموس الوصايا هو مصدر الخلاص والتغيير. وهنا أحب أن أقتبس مقولة لدالاس ويلارد التي يتكلم فيها عن الناموس باعتباره مسار البر وليس مصدره Not the Source of rightness but the Course of it

على الجانب الآخر يحمينا الفهم اللاهوتي السليم من ابتلاع مفاهيم فلسفية غير مسيحية تشبعت بها المدارس النفسية و أثرت في نظرياتها وتقنيات ممارستها للعلاج دون أن ندري ذلك، ويؤثر ذلك على نمونا الروحي. كما أن اللاهوت يذكرنا دائماً بالحاجة للروحانية والتدريبات الروحية لأنه يذكرنا بفسادنا الذي لا يصلحه إلا ناموس الله كمسار للبر بنعمة وقوة الروح القدس الساكن فينا وأن المبادئ النفسية وحدها لن تغيرنا ذلك التغيير الشامل المتكامل. لذلك أنا أرى أن اللاهوت الكتابي هو بمثابة المفتاح الذي يضمن ثبات وصحة منظومة التكامل برمتها.

ثم يبني على هذا الأساس العناصر الثلاثة للصحة الروحية والنفسية وهي الوعي السليم بالنفس و بالاحتياجات و بالعلاقات الصحية مع الآخرين. داخل الوعي السليم بالنفس، يمكن أن نضع أشياء عديدة مثل فحص الأفكار و متابعة السلوكيات الذي تصر عليه المدرسة المعرفية السلوكية، و التواصل مع الخبرة الداخلية والتعبير الحر عن المشاعر الذي تصر عليه المدارس الإنسانية. ثم الوعي السليم بالاحتياجات والعلاقات الصحيحة الذي تنادي به المدارس الديناميكية التي تؤمن بأن الشفاء ينبع من العلاقات الصحية.

أخيراً هذا البناء المتزن المتكامل يجعلنا قادرين أن ننطلق في مواجهة التحديات التي تقابلنا في عملية التكامل للوصول إلى صحة نفسية وروحية متكاملة للفرد والمجتمع المسيحي.



[9] Dallas Willard, The Spirit of the Disciplines (San Francisco: Harper Collins, 1988), 18

[10] G. R. Collins, The Rebuilding of Psychology (Wheaton, Illinois: Tyndale House, 1977),

[11] Everett Worthington, Jr., “Religious Counseling: A review of Published Empirical Research,” Journal of Counseling and Development 64 (1986): 421- 431

[12] Propst et al., “The Comparative Efficacy of Religious and Non-religious Cognitive Behavioral Therapy,” Journal of Consulting and Clinical Psychology,94- 103.

[13] Propst, “The Comparative Efficacy of Religious and Non-religious Imagery,” Cognitive Therapy and Research, 167-178.

[14] كما هو الترابي هكذا الترابيون ايضا.وكما هو السماوي هكذا السماويون ايضا. وكما لبسنا صورة الترابي سنلبس ايضا صورة السماوي.

فاقول هذا ايها الاخوة ان لحما ودما لا يقدران ان يرثا ملكوت الله.ولا يرث الفساد عدم الفساد. (1كو 15: 48- 50)

[15] Richard J. Foster, Celebration of Discipline: The Path to Spiritual Growth (San Francisco: HarperCollins, 1988),33.

No comments: