Monday, March 5, 2007

مفهوم المدرسة النفسية والمفهوم المسيحي للإنسان

فيما يلي سوف نتناول أهم مدارس العلاج النفسي بالشرح المفصل ونقدم نقداً مسيحياً لكل مدرسة لكي ندرك نقاط الاتفاق و الاختلاف بينها وبين اللاهوت المسيحي. في البداية سوف نشرح ما هو مفهوم المدرسة النفسية. لكل مدرسة نفسية افتراضات فلسفية. هذه الافتراضات الفلسفية تقابل لاهوت شخصية الله والخليقة بالنسبة لللاهوت النظامي المسيحي. أيضاً لكل مدرسة نفسية أيضاً نظريتها للشخصية. وهذه النظرية للشخصية ربما تقابل لاهوت الإنسان في اللاهوت النظامي المسيحي. وهناك أيضاً نظرية المرض النفسي والعلاج النفسي والنضوج أو الصحة النفسية وهي نظريات تقابل لاهوت الخطية والخلاص في اللاهوت المسيحي (راجع النموذج التكاملي لكارتر/ موهلين. ص 10).

الافتراضات الفلسفية

لكل مدرسة علاجية (مشورية) أفكار ومفاهيم عن الشخصية الإنسانية، هذه المفاهيم تنشأ من رؤية فلسفية متكاملة للعالم وللإنسان. لم تنشأ المدارس النفسية في فراغ وإنما نشأت من رحم الحركات الفلسفية المختلفة في العصور القديمة والحديثة، حيث تأثر علماء النفس بالفلاسفة وتبنوا بعض من رؤاءهم للعالم و طبقوها على هذا الجزء الهام من العالم وهو الإنسان. المشورة المسيحية أيضاً تنبع من الرؤية المسيحية للعالم، لكن يبقى السؤال، هل يمكن الاستفادة من مدارس تبنت رؤى للعالم والبشر قد تكون مختلفة بل ومتعارضة مع الرؤية المسيحية؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال من المناسب أن نفهم بعمق ما هي هذه الرؤى الفلسفية. في كتاب نظريات العلاج النفسي المعاصرة ، تقييم مسيحي شامل[2]، يقدم جونز وبوتمان هذا التخطيط، لمحاولة تلخيص الخلفيات الفلسفية لمدارس العلاج النفسي المعاصرة:

نظرية الشخصية

لكل مدرسة نظرية أو نموذج للشخصية من خلاله تتحدد طبيعة شخصية الإنسان. على سبييل المثال نظرية الشخصية بالنسبة للتحليل النفسي الكلاسيكي تنقسم إلى قسمين: التحليل التركيبي للنفس إلى أنا عليا وأنا وهو والتقسيم المكاني إلى الوعي وما قبل الوعي واللاوعي. عموماً عندما نتناول نظرية الشخصية في كل مدرسة، سوف نتساءل ما إذا كانت متوافقة مع الكتاب المقدس، كما سوف نتساءل ما إذا كانت النظرية تقدم رؤية متكاملة للإنسان في كل الأطر التي يعيش فيها من اختلاف الجنس والنوع والعوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وهل تغطي هذه النظرية الجوانب المختلفة من الشخصية الإنسانية بكل عناصرها البيولوجي و المعرفي والوجداني والسلوكي والعلاقاتي والروحي؟

نموذج المرض

عندما نفهم الشخصية الإنسانية وكيفية عملها وتكيفها مع البيئة المحيطة، يكون من السهل أيضاً إدراك المرض أو عدم التوافق وكيف يحدث؟ أيضاً سوف نحاول أن نفحص نموذج المرض في كل مدرسة و نتساءل ما إذا كان يضع في اعتباره مفاهيم مسيحية محورية مثل المسئولية الإنسانية والخطية والسقوط؟ والتوازن بين الإرادة الإنسانية الحرة كمسبب للخطية والمرض وبين الحالة العامة للإنسان كمسبب لهما.

نموذج الصحة

لكل نظرية رؤية خاصة للصحة النفسية أو الاكتمال النفسي. هذه الرؤية تؤثر بالطبع على التقنيات العلاجية التي تمارسها تلك المدارس. على سبيل المثال، سوف تركز تقنيات العلاج على التنفيس الشعوري إذا كان نموذج الصحّة بالنسبة لها يدور حول القدرة على التعبير عن المشاعر. أيضاً سوف تركز تقنيات العلاج على مراقبة الأفكار وتصحيحها إذا كان نموذج الصحة النفسية يدور حول التفكير المنطقي السليم. وهكذا فإنه من الضروري لكي تكون تقنيات العلاج متماسكة ومترابطة، أن يكون لها هدف أو نموذج تتحرك نحوه.

نموذج العلاج النفسي

سوف نحاول أن نفحص تقنيات العلاج في كل من المدارس المختلفة ونتساءل ما إذا كانت بالفعل مؤثرة في الأعراض أو محركة للنضوج والتغيير؟ هل متوافقة مع مقاييس أخلاقية محددة ؟ وهل هذه المقاييس الأخلاقية، متوافقة مع المقاييس الأخلاقية المسيحية الكتابية؟ هل يقوم المعالج بدوره بصورة مهنية دون اعتبار المقاييس الروحية والأخلاقية، أم أنه يقوم بدوره من منطلق أنه تلميذ للمسيح وعضو في الكنيبسة؟ من صفات التوجه المسيحي للمساعدة يدور حول أولوية العلاقات الدافئة التي تتميز بالاشتراك في الوجدان والصدق والأصالة وأهمية المحبة غيرالمشروطة أجابي. بالطبع يجب، لكي يكون هذا التعاطف حقيقياً، أن يمتد إلى الحياة الشخصية للمساعد وألا يكون مجرد مهارة مهنية.

المفهوم المسيحي للإنسان

تقدم كل مدرسة من مدارس العلاج النفسي مفهومها عن الإنسان وعن صحته النفسية ومرضه النفسي وبالتالي فلسفة العلاج من منظور هذه المدرسة. هل يقدم الكتاب المقدس أيضا نظرية متكاملة للشخصية؟ أو ما هو "لاهوت الإنسان" في الكتاب المقدس؟ وهل لهذا اللاهوت تداعيات نفسية هامة تساعدنا في فهم صحة الإنسان ومرضه و تساعدنا لعلاجه. الحقيقة هي أن ما يقدمه الكتاب المقدس لنا عن الإنسان يفتقر التحديد والدقة التي نحتاجها لتكوين نظرية علميه عن الشخصية تفيدنا في فهم طبيعة الشخصية وطبيعة عملها بحيث يكون لها فائدة إكلينيكية. الكتاب المقدس لا يفسر لنا كيف يكون إنساناً ما قلقاً وسواساً بطبعه وإنسان آخر هادئ مسترخي في أغلب أوقاته. لماذا يخاف إنسان أكثر من إنسان آخر ولماذا يكتئب شخص دون الآخر. لماذا يميل أحدهم للشك وآخر للتصديق؟

الحكم العام لللاهوتيين هو أن الكتاب المقدس لا يقدم لنا تعليماً علمياً عن الإنسان، لا يقدم الكتاب المقدس أنثروبولوجي بالمعنى المفهوم. لكن الكتاب المقدس يقدم لنا ما يمكن أن نسميه " معتقدات ضابطة" Control beliefs بحسب تعبير ((Wolterstorff, 1984 هذه المعتقدات يمكن أن تقدم نوع من "الضبط" لأفكارنا ونحن نتعاطى مع النظريات المختلفة. كما أننا يمكن أن نستخدم هذه المعتقدات لبناء نظرية علمية للإنسان تتفق مع تعليم الكتاب المقدس بصورة عامة. يمكن أن نلخص هذا المفهوم للإنسان تحت ثلاثة عناوين أساسية:

1) الإنسانية في حالتها المخلوقة

2) الإنسانية في حالتها الساقطة

3) الإنسانية في حالتها المفتداة

1) الإنسانية في حالتها المخلوقة

الإنسان مخلوق بواسطة الله من العدم

أول معلومة نحصل عليها من الكتاب المقدس بخصوص الإنسان هي أن الله خلق الإنسان من العدم. بدأ الإنسان في عقل الله كفكرة ثم تصميم وضعه الله و نفذه. هذا يعني أن هويتنا الأساسية سوف تظل مرتبكة وملتبسة حتى نرى أنفسنا كجزء من خليقة الله. هويتنا الحقيقية هي في الله. في كتابه صانع السماء والأرض يقدم اللاهوتي Landon Gilky بعض من التداعيات الناتجة من هذه الحقيقة اللاهوتية وهي:

- هناك معنى لحياتنا. حياتنا ليست مصادفة و لكنها مقصودة

- هناك قيمة لحياتنا لأننا عمل من أعمال الله كلي القدرة والعلم الذي يعطي قيمة لكل ما يعمل.

- هناك قيمة خاصة للإنسان لأن الكتاب يقول أنه مخلوق على صورة الله

- هذه القيمة ازدادت أيضاً عندما اختار الله أن يتجسد الأقنوم الثاني في اللاهوت في صورة الإنسان يسوع المسيح.

الإنسان مخلوق على صورة الله له شخصية أخلاقية مثل الله، الأمر غير الموجود في باقي الكائنات

هناك مفهوم آخر ناتج من لاهوت الخلق وهو أن الإنسان مختلف عن الله ومنفصل عنه ، بالرغم من أننا معتمدون في كياننا على الله الذي هو أصل الوجود Being Itself كما يقول بول تيليك، إلا أننا لسنا جزءا من الله كما تقول الهندوسية مثلاً. إننا مختلفون عن الله، وهذا يتيح عمل علاقة شخصية مع الله. إننا في علاقتنا بالله لا نفقد و لا يجب أن نفقد فرديتنا و ذاتينا. الله في الكتاب المقدس يحترم أننا أفراد لنا حدود لا يخترقها وإنما يقرع على أبواب قلوبنا لكي نفتح له.

ما معنى أن الإنسان مخلوق على صورة الله؟

· أننا كائنات شخصية، لنا شخصية، إرادة وفكر وشعور.

· نستطيع أن تتخذ قرارات واختيارات أخلاقية بحرية تامة بالرغم من أي تأثير خارجي سواء مادي أو روحي.

· لنا روح غير مادية أبدية تستطيع أن تتواصل مع الله إلى الأبد. أي أننا كائنات روحية مثل الله.

·

· لنا مسئولية روحية على الأرض وسلطان لممارسة هذه المسئولية

· العهد الجديد يوضح بصورة أقرب، أن الحياة على صورة الله في أدق صورها هي الحياة مثل يسوع المسيح.

الذي هو "صورة الله غير المنظور" (كولوسي 1: 15).

الإنسان كائن مركب

على مر القرون كان هناك جدل كثير حول الهوية الإنسانية، أو مم يتكون الإنسان. يختلف اللاهوتين حول مفهومين ـــ المفهوم الثلاثي، الذي يقول أن الإنسان مكون من ثلاث أجزاء أو عناصر Tripartite الجسد برغباته واحتياجاته وشهواته، والنفس مصدر الفكر والإرادة والعواطف ،والروح التي من خلالها يتواصل الإنسان مع العالم الروحي وينشئ علاقة مع الله. لكن هناك فريق آخر من اللاهوتيين يقولون أن الكتاب المقدس بالرغم من أنه يستخدم أحياناً أسلوب التكوين الثلاثي إلا أنه في العموم يتكلم عن أن الإنسان له جانبان أساسيان الجانب المادي المنظور أي الجسد والجانب غير المنظور و هو النفس/الروح. (MacDonald, 1982, p. 78) أو الإنسان الظاهر والإنسان الباطن. الواقع هو أن الأدلة أقوى على الجانب الثنائي حيث أنه المفهوم الأكثر عمومية لاهوتياً في الكتاب بغض النظر عن المنظومات اللغوية مثل الروح والنفس والجسد أو " قلبك، نفسك، فكرك ، قدرتك، " (مت 12: 30)

هناك ثلاث مبادئ في هذا الأمر تستحق الاهتمام وهي:

أولاً: وحدة الكيان الإنساني. كل جانب من الجوانب يؤثر بشدة في الجوانب الأخرى. لا يمكن أن نقول أن جانب واحد من الجوانب هو الإنسان الحقيقي والجوانب الأخرى أقل حقيقية. الجسد ليس أقل إنسانية من الروح مثلاً، لذلك فإننا كمسيحيين نؤمن بقيامة الأجساد لأن الجسد جزء لا يقل أهمية في الإنسان عن باقي الأجزاء.

ثانياً: هناك ميل عند المفكرين العلمانيين والمسيحيين على حد سواء لتضخيم جانب من الإنسان على حساب الآخر. هناك من يركزون على الجانب الروحي لدرجة تأليه الإنسان (الإنسانيون) ومن يركزون على الجانب الجسدي لدرجة اعتبار الإنسان آلة أو ظاهرة بيولوجية (السلوكيون) المنظور المسيحي يجب أن يحقق التوازن بين هذين الجانبين باعتبار أن الإنسان روحاً متجسد ة وجسداً له روح في نفس الوقت.

ثالثاً: يوجد مركز لهذا الكيان. الكتاب المقدس يسميه القلب (متى 15: 18 لو 16: 15، أعمال 14: 17 2كو 5: 12)

يمثل هذا المركز محور كيان الإنسان الذي يسميه علماء النفس الأنا self يعتبر كثير من الكتاب المسيحيين مثل ك. س. لويس ودالاس ويلارد وغيرهم أن القلب في الكتاب المقدس يشير إلى الإرادة، التي هي قدس أقداس الإنسان، التي بسببها يستطيع أن يسير عكس إتجاه رغباته وغرائزه وضغوط المجتمع من حوله.

رابعاً: الإنسان كائن أخلاقي. ليست حياة الإنسان مجموعة من الأحداث التي شكلتها الصدقة لكنها مجموعة من الاختيارات الأخلاقية الواعية. يقول ك. س. لويس " ليس لنا شيء لم نستقبله من الله، لكن من ضمن ما استقبلناه من الله تلك القدرة أن نكون أكثر من مجرد مستقبلين!"

الدوافع الإنسانية

هناك دافعان يحركان الإنسان وهما الوصيتان الأساسيتان التان قد أعطاهما الله للإنسان عندما خلقه. الأول هو أن يسود ويتسلط. العمل والإنجاز تعبير عن سلطان وسيادة الإنسان على العالم "اخضعوا الأرض وتسلطوا عليها...." والثاني هو أن يكوِّن علاقات محبة " ليس جيداً أن يكون أدم وحده." الجانب الذكري والجانب الأنثوي للإنسان يتكاملان في هذين الدافعين بحيث يميل الجانب الذكري في الإنسان (وهو متمثل في الذكور أكثر من الإناث) إلى جانب العمل والإنجاز بينما يميل الجانب الأنثوي في الإنسان (وهو متمثل في الإناث أكثر من الذكور) إلى جانب العلاقات.

2) الإنسانية في حالتها الساقطة

الخطية

أولاً: أعطى الله الإنسان سلطان على الكون لكن هذا السلطان كانت له حدود. لقد تعدى الإنسان على هذه الحدود وأراد أن يكون غير محدود. أراد الإنسان أن يكون إلهاً من خلال عصيانه لوصايا الله ورغبته في أن يعتمد على نفسه ويحاول أن يكون له وجوداً ذاتياً مثل الله. ثانياً: خلقنا الله لكي نكون في علاقة محبة معه، لكننا خنا هذه العلاقة من خلال التمرد والخديعة. كنتيجة لهذا السقوط، أصبح الإنسان متغرباً عن الله و عن نفسه فاقداً للتوجّه في الحياة. يظهر هذا من خلال تعاملنا غير الصحي مع المال والجنس والسلطة كما أصبح لدينا ميل شديد لأن نخدع أنفسنا والآخرين، بل نحاول خداع خالقنا نفسه! صور الكاتب ك. س لويس هذه الحقيقة في روايته الرائعة "إلى أن تكون لنا وجوه Till We Have Faces ! (1956) هذه الرواية قضت الشخصية الرئيسية كل حياتها تبرر أفعالها، و في النهاية أدركت أنها غير مستعدة لمواجهة المشتكين عليها وعبرت عن هذا في صورة هذا التساؤل البلاغي قائلة: " يمكنهم أن يقابلونا وجهاً لوجه عندما تكون لنا وجوه !" بكلمات أخرى، كيف يمكننا أن نواجه الله وجهاً لوجه بينما قضينا كل حياتنا نحاول أن نخفي وجوهنا الحقيقية عن الله والناس حتى فقدنا وجوهنا الحقيقية.

غضب الله على خطية الإنسان ليس فقط تعبير عن عدالته وكرامته، وإنما أيضاً تعبير عن محبته. إن كانت في العلاقة مع الله إمكانية الشركة والحب فهناك أيضاً إمكانية الجرح والإهانة والغضب.(راجع صورة غيرة الزوج المحب التي يستخدمها الكتاب المقدس في سفر هوشع).

طبيعة الخطية

الخطية حالة وفعل في نفس الوقت. الخطية حالة و "طبيعة" تعرضنا لارتكاب الخطايا كأفعال وتصرفات ومواقف. الخطية هي حالة الاغتراب عن الله والتمرد عليه. كما أنها قوة روحية معارضة لله. في اللاهوت المصلح، قلب الخطية هو عدم الإيمان وقساوة القلب التي تؤدي إلى رفض التوبة والرجوع إلى الله. الأرثوذكسية الحديثة التي بدأت مع رينولد نيبور ثم تيليك ترى أن الخطية تنشأ من الجمع بين اعتماد الإنسان على الله من ناحية و إرادته الحرة المستقلة من ناحية أخرى. هناك نوع من القلق الوجودي بين محدودتينا واحتياجنا إلى الله من ناحية و قدرتنا على الحرية والاستقلال من ناحية أخرى (لعل تلك الآية في المزمور تعبر عن هذه الحالة من الصراع أو التخالف الوجوديExistential Paradox " أنا قلت أنكم آلهة وبني العلي كلكم، لكنكم كالبشر تموتون و كأحد الرؤساء تسقطون." إننا لا نريد أن نكون تحت سيطرة وجودنا المؤقت مثل باقي الكائنات، فنحن كائنات روحية، لكننا في نفس الوقت لا نريد أن نحتمل مسئولية ذلك الكيان الروحي القادر على القرار الحر. القرار "البار" في هذا المأزق هو أن نحيا حياة من الخضوع المتضع لله كمخلوقات معتمدة عليه قادرة على الخيار الحر المسئول. أما القرار الخاطئ فيكون إما بإنكار حريتنا واستقلاليتنا عن هذا العالم ونعيش محكومين بقوانين الجسد و هذا من خلال الكسل والاستسلام للمرض وعبودية الإرادة ونقول، نحن ساقطون ومرضى ولا نستطيع. أو ننكر اعتمادنا على الله ونحاول أن نكون آلهة أنفسنا من خلال محاولات السيطرة المحمومة على الحياة والناس و إنكار ضعفنا ومرضنا واحتياجنا لله.

ظن الإنسان أنه بانفصاله عن الله واعتماده على نفسه سوف يؤكد حريته. واعتقد كذباً أنه يستطيع أن يكون مثل الله ذاتي الوجود.

عند الإنفصال عن الله، تحولت الإرادة الحرة المستقلة إلى تمرد وكبرياء وأنانية، وتحولت القدرة على التسلط على الخليقة، رغبة

محمومة في السيطرة على كل شيء. بل ولم يعد يستطيع التحكم حتى في إرادته وصارت إرادته مستعبدة للخطية. هذا هو ما يسميه

الكتاب جسد الخطية أوالشر. بهذا المفهوم يمكن أن نقول أن الله بصورة ما هو خالق الشر "مصور النور وخالق الظلمة صانع السلام

وخالق الشر. انا الرب صانع كل هذه." (إشعياء 45: 7) و بصورة أخرى ليس هو خالق الشر، فهو قد خلق الإرادة التي تحولت بسبب

انفصال الإنسان عنه إلى شر.

تعبر حركة التعافي عن هذا المأزق من خلال صلاة السكينة التي تعتبر من أهم شعاراتها ومبادئها والتي تقول: " اللهم امنحني السكينة لكي أقبل الأشياء التي لا أستطيع أن أغيرها والشجاعة لكي أغير الأشياء التي أستطيع أن أغيرها والحكمة لأعرف الفرق بين الاثنين." وهي صلاة يعتقد الكثيرون أن كاتبها هو رينولد نيبور نفسه.

الفهم المسيحي للخطية يجب أن يحافظ على اتزان جدلي بين طرفين دائماً:

· بين رؤية الخطية ككسر للقانون الإلهي و بين الخطية ككسر للعلاقة الشخصية مع الله..

· بين الخطية المدفوعة بالتمرد والخطية المدفوعة بالاحتياج والقلق الوجودي

· بين الخطية كقيد نعاني منه كلنا كبشر "المأساة الإنسانية" والخطية كخيار أخلاقي نحن مسئولون عنه.

3) الإنسانية في حالتها المفدية

هدف الحياة المفدية

في فيلبي 3: 8-11 يقدم بولس الرسول هدف الحياة المفدية في مفهوم واحد محوري وهو معرفة المسيح. بحسب الرسول بولس، الحياة المسيحية هي معرفة المسيح ونوال البر الذي بالإيمان به والتوحد بموته وقيامته. عندما ينال الإنسان هذه الحياة الجديدة فإنه يبدأ مسيرة التشبه بالمسيح والنمو في القداسة. المفهوم المسيحي للشفاء والاكتمال يدور حول القداسة و التشبه بالمسيح، أكثر مما يدور حول الراحة ، بعكس علم النفس الذي يقيس الشفاء بالراحة أو القدرة على التعبير عن المشاعر أو تحقيق الإمكانات الكاملة أو والتوافق مع المجتمع. أما الشفاء والاكتمال المسيحي يدور حول توافق المؤمن أكثر فأكثر مع شخصية المسيح الذي لم يكن مستريحاً في الحياة أو متوافقاً مع مجتمعه بل كان مرفوضاً من المجتمع في وقته. إننا نعيش في تلك الفترة الوسيطة بين ملكوت الله المتحقق في الحاضر و اكتمال ملكوت الله الآتي في المستقبل. وخلال هذا الوقت نعيش هذه الحياة التي تمتاز بالتوتر والضيق، معتمدين على قوة الله ومساندة المجتمع الشافي (الكنيسة).

التجديد هو أن يحيي الله أرواحنا المائتة (الفداء) بروحه الساكن فينا ويعيد معنا العلاقة (المصالحة) لكن يظل جسد الخطية موجوداً، و كلما تواصلنا مع الله وصلبنا جسد الخطية، ولم نطعه في شهواته ورغباته كلما تقدسنا وصرنا أكثر شبهاً بالمسيح. نلاحظ أن الذي يجب أن نصلبه هو جسد الخطية (الأسود) وليس الطبيعة الإنسانية (النقط). نصلب الشهوة التي تريد الحصول على كل شيء ولا نصلب الرغبات والاحتياجات الطبيعية. نصلب الكبرياء والرغبة في التفوق على الجميع، ولا نصلب الكرامة الإنسانية التي خلق الله الإنسان عليها. نصلب الأنانية وليس الاحتياجات والحقوق الطبيعية. يقول الرسول بولس في رسالة كولوسي: " ميتوا أعضائكم التي على الأرض الزنى والنجاسة، وليس الجنس، الهوى وليس الحب الحقيقي، الشهوة الردية وليس الرغبة الطبيعية، الطمع وليس الاحتياجات، الذي هو عبادة الأوثان" (كولوسي 3: 5)

أما التمجيد فهو الخلاص الكامل (فداء أجسادنا) عندما نتحرر من الجسد الفاسد لنكون مع الله في المجد ونأخذ أجساد جديدة ممجدة (خطوط) حيث أيضاً يمتاز نجم عن نجم (1كو 15: 41)



[1] بتصرف ورسوم توضيحية من الكاتب

[2] S.L. Jones and R. E. Butman, Modern Psychotherapies, A Comprehensive Christian Aprraisal, (Downers Grove, Illinois, Intervarsity Press, 1991)

No comments: