Thursday, March 29, 2007

لمدرسة التحليلية الكلاسيكية



ا

الافتراضات الفلسفية

تعكس الافتراضات الفلسفية لهذه المدرسة تأثرها بالتجريبية الكلاسيكية وتقاليد عصر النهضة.

1) تقسيم العقل إلى واعي وقبل واعي ولا واعي و التركيز على الدوافع اللاواعية للسلوك.

2) افتراض أن السلوك الحالي له جذور في الماضي.

3) الافتراض الديناميكي. تفترض هذه المدرسة وجود طاقة محركة للسلوك وتسمى "الليبيدو" وهي ليست مجرد الجنس بمفهومه المحدود وإنما الرغبة الدافعة للخلق والحب والاتحاد بالكون.

4) افتراض النظام المغلق وهو أن هناك قدر معين من الطاقة موجود في الإنسان من خلال الدوافع الأساسية. الصحة النفسية هي التعبير عن هذه الطاقة في صورة سلوك مقبول اجتماعياً. لا يمكن لطاقة جديدة أن تدخل هذا النظام المغلق.

نظرية الشخصية

1) الافتراض التركيبي للنفس إلى هو ، وأنا ، و أنا عليا، بما يتعلق بهم من مبدأ اللذة ومبدأ الواقع ومبدأ الأخلاق.

2) مراحل النمو الجنسي النفسي

- المرحلة الفمّية. التثبيت عند هذه المرحلة يصيب الإنسان بالرغبة في التملك والسيطرة على الآخرين.

شابة في العشرينات ، اجتماعية ولطيفة الشخصية ومخطوبة، إلى هذه السن تضع أصبعها في فمها عندما تشعر بالحزن أو الضغط النفسي، والغريب أيضاً بالنسبة لها أنه لا يوجد لديها أي رغبة جنسية ناضجة تجاه خطيبها، بل من الأحداث التي أصابتها بالدهشة، أنها عندما رأت بالصدفة مشهداً جنسياً مثيراً على الانترنت، شعرت بإثارة جنسية ورغبة في أن تضع أصبعها في فمها!

- المرحلة الشرجية. التثبيت عند هذه المرحلة يصيب الإنسان إما بالنظام الشديد والرغبة في السيطرة على الخارج بشكل مبالغ فيه أو العكس تماماً.

- المرحلة التناسلية. التي تبدأ في سن الرابعة وفيها تظهر الرغبة الأوديبية في الحصول على الوالد من الجنس الآخر. هذه الرغبة تحل من خلال التوحد بالوالد من نفس الجنس وتكوين الهوية الجنسية (يمكن أن يحدث تثبيت في هذه المرحلة يؤدي إلى إضطراب العلاقة بالوالد سواء من نفس الجنس أو الجنس الآخر أو ربما اضطرابات في التوجه الجنسي أو الهوية الجنسية) بالطبع يمكن تعقيد هذا الصراع من خلال الإساءات الجنسية التي ربما تحدث في هذه المرحلة. هذه المرحلة تستمر طوال العمر بحيث ترتبط اللذة الجنسية بالمناطق التناسلية، بحيث يصارع الإنسان لإيجاد التوازن بين الحب و لعمل واللعب والاستمتاع.

3) آليات الدفاع اللاشعورية

هي الوسائل التي تستخدمها "الأنا" أو بالتحديد الجزء اللاواعي منها لكي تتجنب بطريقة لا شعورية كل تعبير مباشر عن النزعات والوجدانات التي تهدد اتزان الإنسان وتصيبه بالقلق سواء كانت هذه الوجدانات آتية من الداخل (أي من اللاشعور) في صورة صراعات دفينة كالرغبة في الجنس أو العنف أو ناتجة عن أحداث في الواقع الخارجي. الغرض من الدفاعات النفسية التقليل من جرعة مواجهة الواقع المؤلم ليكون بالقدر الذي يستطيع الإنسان أن يستوعبه ولذلك فهي ضرورية، لكن الإفراط في استخدامها يفصل الإنسان عن الواقع و عن الآخرين وهذا ما يحدث في صورة أعراض وأمراض نفسية و اضطرابات في الشخصية. (من كتاب "الروحانية والتعافي" ملحق 5)

نموذج الصحة النفسية

هي أن يحصل الإنسان على قدر كاف من الوعي بالصراعات النفسية اللاواعية يتيح له التحكم في الدوافع والسلوك. الوصول للصحة النفسية يتم من خلال التبصر والعمل في الخبرات المؤلمة المبكرة. الشخص الذي يتمتع بالصحة في مفهوم هذه المدرسة هو الشخص الذي يتزايد وعيه بنفسه وتتزايد قدرته على النمو والتحكم في سلوكه ودوافعه.

نموذج المرض

الكل مريض بدرجة أو بأخرى. المرض هو نوع من الصراع الطفلي الذي لم يتم تجاوزه بل حدث تثبيت له يستمر لما بعد الطفولة. الأعراض المرضية العصابية هي أنواع من محاولات التعامل مع القلق، لكنها تتحول إلى عوامل مدمرة في حد ذاتها. تعتبر المدرسة التحليلية، القلق هو جوهر كل المرض النفسي. يفترض التحليل النفسي أن مشكلات الحياة عامة في الجنس البشري كله، حيث أنه لا يمكن لإنسان أن يتحرك خلال مراحل النمو بلا صعوبة.

نموذج العلاج النفسي

العلاج في مفهوم هذه المدرسة هو محاولة إعادة تركيب الشخصية من خلال إحياء خبرات الألم في الطفولة " التنفيس". من خلال أن يصبح اللاواعي أكثر وعياً و تقوى الأنا. يتم العلاج في صورة جلسات مرتين أو ثلاثة أسبوعياً لمدة 2-3 سنة. هذا النوع من العلاج يتوجه نحو النمو والنضوج أكثر منه المساندة والتعضيد، لذلك فإن المعالج التحليلي ليس مسانداً بقدر ما هو بعيد. يتم العلاج من خلال التداعي الحرّ ( أو أي نوع من المشاركة الحرة) التي من خلالها يمكن الوصول لللاوعي. مقاومة العميل للاستكشاف تتناسب طردياً مع أهمية المحتوى اللاواعي الذي يظهر. من الموضوعات العلاجية المحورية في العلاج التحليلي ما يسمى بالطرح Transference ويشير إلى العلاقة التي تنشأ بين المعالج والعميل. يتم طرح العلاقات والمشاعر والصراعات القديمة في حياة العميل على علاقته بالمعالج و من خلال هذا الطرح يمكن التعامل مع هذه المشاعر والخبرات بشكل واعي. يمكن أيضاً للمعالج أن يقوم بالطرح المقابل، لذلك فهو يحتاج إلى الإشراف (نوع من العلاج للمعالج) لكي يتبصر بطرحه المضاد.

أيضاً يتم العلاج من خلال تفسير المقاومة والدفاعات أي جعلها واعية للمريض. هذه الممارسة العلاجية يجب أن تراعي التوقيت والحساسية والرقة. لا يجب أن تقدم التفسيرات إلا في المرحلة التي فيها يستطيع المريض أن يسمعها ويفهمها ويقدرها ويتسوعبها ويضمنها في حياته وسلوكه. التفسيرات غير السليمة أو المبكرة من الممكن أن تزيد من المقاومة. يؤكد التحليل النفسي على أهمية تحليل الأحلام حيث هناك أهمية كبرى للأحلام لكونها تكشف قدراً من اللاوعي والصراعات الكائنة فيه. وصفها فرويد من قبل أنها "الطريق الملكي إلى اللاوعي"

لا يمكن لأي من المعالجين اليوم مهما كانت انتماءاتهم ينكرون تأثير الفكر الفرويدي. لا يمكن لأي شخص في مجال المساعدة النفسية يمكن أن ينكر المفاهيم التالية:

- اللاوعي

- أهمية خبرات الطفولة في تكوين الشخصية

- حقيقة الطرح والطرح المضاد في العلاقة العلاجية

- المقاومة للتغيير

- ميكانيزمات الدفاع اللاواعية

النقد المسيحي

هناك أسباب لعدم شعبية هذا النوع من العلاج في الأوساط المسيحية وهي:

أولاً

هاجم فرويد الدين بشكل صريح. على المستوى الفردي، اعتبر فرويد أن الإنسان هو الذي خلق الله من واقع حنينه لأب محتوي كلي القدرة والعلم والحنان. وعلى المستوى الجماعي، اعتبر فرويد الدين نوع من العُصابية العامة، استخدمته الحضارة الإنسانية كبديل عن مواجهة للواقع مبنية على المعرفة العلمية التجريبية. بنفس الطريقة التحليلية التي يفسر بها فرويد الإيمان بالله ، يمكن تفسير عدم الإيمان أوالإلحاد بأنه نوع من الغضب على الأب نابع من عقدة أوديبية، يتم تعميمه ليصبح غضباً على الأب الأكبر (الله) يصل إلى محاولة "قتله". (راجع موت الله لنيتشه). أيضاً نلاحظ أن الإلحاد وعدم التدين أكثر شيوعاً بين الرجال بسبب غضبهم على الأب (الوالد من نفس الجنس) على أي حال، يمكننا أن نلاحظ إمكانية تطويع التحليل النفسي ليثبت الشيء وضده في نفس الوقت هذا يجعل التحليل النفسي رؤية فلسفية للعالم أكثر من كونه نظرية محددة لتفسير السلوك بشكل ثابت مستقر. بمعنى أن التحليل النفسي دين أكثر من كونه نظرية نفسية.

ثانياً:

هذه الطريقة في تفسير كل شيء بإرجاعه إلى خبرات الطفولة، تجعل من المستحيل فهم أي شيء في ذلك النظام المغلق. لا تكفي خبرات الطفولة لتقديم تفسير متكامل لكل الكون! بهذه الطريقة يمكن كل منا أن يشير للأخر ويفسر إيمانه بأي شيء أنه عقدة في الطفولة! هكذا فإن الاتهام الأساسي للتحليل النفسي هو بالتصغيرية أي تصغير كل شيء إلى تفسير واحد.

ثالثاُ:

أساس المسيحية هو الإيمان بتدخل الله سواء في الخلق أو في الفداء. الله في المسيحية إله متدخل والإعلان سواء الخاص أو العام هو المحور الرئيسي لذلك الإيمان. هذا يتعارض مع المنظور التحليلي بأن الطبيعة نظام مغلق من السبب والنتيجة الذي لا يدع مجالاً لأي تدخل جديد.

رابعاً:

مبدأ الفردية في الوصول للصحة النفسية، والتي تعتبر الصحة النفسية هي محاولة الإنسان فهم نفسه والتحكم في سلوكه و التعامل مع دوافعه. هذا أمر تعارضه المسيحية لكونها مبنية على فكرة الاعتماد المطلق على الله وأهمية تكوين علاقات ذات معنى بالآخرين (محبة الرب و محبة القريب). من مناطق الصراع بين التحليلية و المسيحية قضية "الدوافع". التحليلية لا تعترف بأي دوافع غير شخصية. فأي علاقة أو خدمة، في النظرة التحليلية، يجب أن يكون لها هدف متعلق بتحقيق الدوافع الشخصية العميقة للإنسان.

أعتقد أن الرؤية المسيحية في هذا الأمر يجب أن تتزن بين طرفين قصيين. الأول هو النفسنة التحليلية لكل السلوكيات الإنسانية وتفسيرها في ضوء دوافع بيولوجية مادية دون الاعتراف بوجود أي دوافع متسامية أو تدخلات إلهية. والطرف الآخر هو التجاهل التام لحقيقة وجود دوافع إنسانية أنانية داخل الإنسان المؤمن الروحي. عندما أشير للاتزان لا أقصد التوقف والجمود في موقف وسطي يقبل هذين النوعين من الدوافع على حد المساواة، بل هذا الموقف المتزن في رأيي هو قبول إمكانية تلوث دوافع المؤمن بالدوافع الأنانية، مهما كان مستوى نموه الروحي (لكوننا فاسدون تماماً بحسب اللاهوت المصلح) وفي نفس الوقت رفضها باستمرار لحساب الدوافع الإلهية المبنية على الخروج من النفس نحو الله والآخرين، وهكذا نعترف بجبلتنا وفي الوقت نفسه نتحرك نحو النمو و تلك الطبيعة الإلهية التي نحن مدعوون لأن نعيشها. إن احتمال هذا الصراع المستمر هو المواجهة الجسورة لواقع المأزق الإنسانية بنعمة الله.

خامساً

بسبب أن هذا النوع من العلاج يستغرق وقت طويل في محاولات جعل اللاواعي واعياً وتفسير السلوكيات في ضوء الصراعات وخبرات الطفولة المؤلمة، هناك خطر نشوء نوع من النرجسية أو الانحصار المرضي في النفس على حساب العلاقات داخل الكنيسة أو المجتمع المسيحي وأيضاً الاهتمام بإرسالية الكنيسة العظمى في العالم.

صحيح هناك احتياج في الكنيسة إلى مزيد من الوعي بالنفس، وهناك خطورة أن يستخدم الدين كدفاع ضد رؤية النفس و يصبح الدين عُصاباً حقيقياً كما كان يعتقد فرويد، إلا أن العلاج النفسي أيضاً يمكن أن يتحول إلى عُصاباً ودفاعاً ضد رؤية الناس والعالم. إننا في المجتمع المسيحي في أمس الحاجة إلى أشخاص يستطيعون أن يتزنوا بين رغبة قوية واستعداد لمعرفة النفس ورغبة قوية لمعرفة الله. يتفق هذا مع ما قاله جون كلفن في الفصل الأول من أساسيات الإيمان عندما قال:

إن حكمتنا لكي تكون حكمة حقيقية وثابتة، يجب أن تتكون من جزئين: معرفة الله وأنفسنا، ولكن لكون هذين الجزئين مرتبطين ببعضهما البعض بروابط عديدة، ليس من السهل تحديد من منهما يسبق الآخر ويؤدي إليه. ففي المقام الأول، عندما يفحص الإنسان نفسه و يدركها، فإن هذا يدفعه لأن يحول وجهه نحو الله الذي فيه يحيا ويتحرك ويوجد. وعلى الجانب الآخر، لا يمكن لإنسان أن يحصل على معرفة حقيقية للنفس بدون التأمل في وجه الله، ومن ثم بعد هذا التأمل ينزل لكي ينظر إلى نفسه.

في مرات كثيرة تفشل الروحانية المسيحية في تحقيق هذا التوازن فيعتبر كثير من الروحانييين، أن معرفة النفس أو الوعي بها ضد الروحانية الحقيقية، مما يضع الناس أمام اختيار، إما معرفة الله أو معرفة النفس في حين أن الاثنين لا ينفصلا كما يؤكد جون كلفن.

سادساً:

العلاج طويل المدى ومكلف مادياّ كما أنه يتطلب معالج شديد التدريب وعميل لديه قدرات لفظية و تعبيرية عالية وقدرة على رؤية النفس والاستعداد للتبصر الداخلي. هذا النوع من العلاج لا يمكن أن يتوافق مع رغبة الكنيسة في خدمة كل من ينتمي إليها، وحتى كل من يأتي إليها لطلب العلاج، مما يجعل الكنيسة متشككة دائماً من فعالية هذا النوع من العلاج.

سابعا:

تقليدياً، المعالج التحليلي بعيد وغير متفاعل، بل وربما يكون مجهول للعميل تماماً وهذا يتعارض مع روح الخدمة والمحبة الأخوية التي تتميز بها المسيحية

نقاط التوافق بين الفكر التحليلي واللاهوت المسيحي

خدم التحليل النفسي اللاهوت المسيحي بتأكيده على بضعة حقائق ومنها:

  • الفساد التام بإظهاره أن الصراع مع الرغبات البدائية أمر أصيل ومستمر في الحياة الإنسانية. " ويحي أنا الإنسان الشقيّ، من ينقذني من جسد هذا الموت الكائن في أعضائي." (رومية 7: 24)
  • قدرة الإنسان على خداع نفسه (و هذه فكرة كتابية شديدة الأهمية " القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس من يعرفه" إرميا 17: 9 ربما يمكننا أن نترجم هذه الآية للغة تحليلية فنقول: "لا تستطيع الأنا مواجهة الواقع دون دفاعات و اللاوعي لا يمكن الوصول إليه أبداً " !
  • أهمية خبرات الطفولة في نشوء المرض و ضرورة إحياء reliving هذه الخبرات لتحقيق الشفاء. الكتاب المقدس يقدم الله في صورة الأب ويقدم الحياة الروحية في صورة "التبني" أي أننا من خلال علاقة أبوية روحية باله يمكننا إعادة الأبوة وبالتالي أن نتعامل بوعي work through مع هذه الخبرات القديمة.
  • مبدأ الاحتياج الدائم للنمو ـــــ" أيها الاخوة،أنا لست أحسب إني أدركت أو صرت كاملاً، لكني أفعل شيئاً واحداً إذ أنا أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام، أسعى نحو الغرض لأجل دعوة الله العليا في المسيح يسوع." (فيلبي 3: 13) لكن الفارق الجوهري الوحيد بين المسيحية والتحليلية هو في عنصر الرجاء فالمسيحية تسعى نحو النمو بهدف التشبه بالمسيح الذي ينتهي بالمشاركة في الطبيعة الإلهية في السماء! بينما هدف التحليلية هو فقط التعايش والتوافق مع المجتمع هنا والآن.

No comments: